• اتصل بنا
  • من نحن
  • سياسة الخصوصية
منوعات شامية
  • مقالات
  • تحقيقات
  • تقارير
  • رياضة
  • حوادث
  • منوعات

Monday, 29 December 2025

  • اخبار

الساحل السوري بين التحريض الطائفي والتخبّط الحكومي

عدد التعليقات : 0 بواسطة : Elshamy


 يمرّ الساحل السوري اليوم بمرحلة شديدة الحساسية، لا تقلّ تعقيدًا عن أكثر المراحل اضطرابًا في تاريخ سوريا الحديث. فبعد سقوط نظامٍ حكم البلاد لأكثر من نصف قرن، تتقاطع في هذه المنطقة عوامل الماضي الثقيلة مع أخطاء الحاضر، في ظل تحريض طائفي متصاعد، وتخبّط حكومي يهدد بتحويل فرصة النجاة الوحيدة إلى كارثة جديدة. إن قراءة المشهد في الساحل لا يمكن أن تكون عاطفية أو انتقائية، بل تحتاج إلى تحليل صارم يضع الوقائع في سياقها التاريخي والسياسي والاجتماعي.


أولًا: الامتيازات الموروثة وإشكالية السلطة الطائفية
لا يمكن إنكار أن شريحة واسعة من أبناء الطائفة العلوية، ولا سيما خلال العقود الخمسة الماضية من حكم نظام الأسد، حظيت بامتيازات سياسية وأمنية واقتصادية غير مستحقة في كثير من الأحيان. لم تكن الكفاءة أو المؤهل العلمي أو النزاهة معيارًا للترقي، بل كان الانتماء الطائفي والولاء المطلق للنظام هو بطاقة العبور إلى النفوذ والثروة.

نتج عن ذلك تشكّل طبقة نافذة راكمت أموالًا طائلة عبر وسائل غير مشروعة، كتهريب السلع والمخدرات، واستغلال النفوذ، والاعتداء على المال العام، فضلًا عن تحويل أجهزة الدولة إلى أدوات خاصة لخدمة هذه الفئة. وقد رافق هذا الامتياز شعور متضخم بالفوقية، انعكس في تعامل استعلائي مع غالبية السوريين، وخصوصًا أبناء الطائفة السنية، الذين وُسموا جماعيًا بتهم جاهزة: “إخوان مسلمون”، “إرهابيون”، أو “عملاء”.

هذا الوعي المشوَّه، الذي ترسّخ لدى أجيال نشأت في ظل حكم أمني مغلق، أسّس لقناعة خطيرة مفادها أن سوريا “مزرعة خاصة”، وأن بقية الشعب مجرّد تابعين لا يحق لهم الاعتراض أو المطالبة بالحقوق.


ثانيًا: من الامتياز إلى العنف المنفلت
عندما اندلعت الثورة السورية، تصرّفت هذه الفئة – أو جزء كبير منها – بوصفها في معركة وجود لا معركة سياسة. فكان الدعم للنظام دعمًا أعمى، بلا تفكير أو حدود، هدفه الحفاظ على المكاسب المتراكمة. من لم يشارك بالسلاح، شارك بالتحريض أو التبرير، ومن لم يستطع، شارك بالنهب والسرقة. وهكذا تحوّلت بعض مناطق الساحل إلى أسواق مفتوحة للمسروقات القادمة من بيوت المنكوبين، وغالبيتهم من أهل السنة.

هذا السلوك لم يكن مجرّد انحراف فردي، بل نتاج منظومة كاملة غذّت العنف وربطت بقاء الامتيازات بإبادة الآخر أو إخضاعه.


ثالثًا: ما بعد سقوط النظام… صدمة التوقّعات المعكوسة
عند انتصار الثورة وهروب رأس النظام، سادت لدى كثيرين مخاوف من مجازر انتقامية بحق أنصار النظام المنهار. غير أن الواقع جاء مغايرًا للتوقّعات؛ إذ فاجأ الثوار الجميع بدرجة عالية من التسامح، وصلت في كثير من الأحيان إلى حدّ الإفراط. امتصّت السلطة الجديدة الصدمة، وقدّمت خطابًا تصالحيًا واسعًا، غلّب السلم الأهلي على منطق القصاص العاجل.

غير أن هذا التسامح، بدل أن يُقرأ كفرصة تاريخية للمراجعة والمصالحة، شجّع بعض رموز النظام السابق وأنصاره على التفكير الجدي في استعادة نفوذهم، والالتفاف على المحاسبة، والرهان على الوقت والتحريض والفوضى.


رابعًا: سخط الضحايا وتآكل الثقة بالسلطة الجديدة
في المقابل، تصاعد غضب المتضرّرين من النظام، ولا سيما أهالي الشهداء والمغيّبين، بسبب ما اعتبروه تهاونًا مفرطًا في محاسبة القتلة والمجرمين. زاد الأمر سوءًا تصرّفات هوجاء لبعض أمراء الحرب، الذين فرضوا أنفسهم على المشهد، واستغلّوا ضعف الدولة لتصفية حسابات شخصية تحت غطاء “الشرعية الثورية”، ما دفع السلطة إلى اتخاذ قرارات انتقامية بحق بعض الثوار أنفسهم، وأدخلها في مأزق أخلاقي وسياسي عميق.

هذا الانقسام يعيد إلى الأذهان مشهدًا تاريخيًا بالغ الخطورة: مقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، حين انقسم المجتمع الإسلامي بين فئة تطالب بالقصاص الفوري، وأخرى ترى تأجيله لصالح استقرار الدولة. وكانت النتيجة آنذاك حربًا مدمّرة ما زالت آثارها حاضرة في الوعي والواقع حتى اليوم.


خامسًا: الساحل على حافة المصير ذاته
إن استمرار التحريض الطائفي، والتفكير بالعودة إلى ما قبل 8/12/2024، ينذر بكارثة محققة. فالساحل السوري، وهو المنطقة الوحيدة تقريبًا التي لم تُدمّر ببراميل النظام السابق، قد يتحوّل إلى خراب يشبه حلب وحمص والغوطة وحي جوبر الدمشقي. وفي حال اندلاع مواجهة واسعة، سيدفع أبناء الطائفة العلوية – كجماعة – ثمن اصطفافهم خلف مجرمين دمّروا البلاد ونهبوا العباد، تمامًا كما دفع أبناء الطائفة السنية سابقًا مليون قتيل، ونصف مليون مغيّب، وأربعة عشر مليون مهجّر.

في المقابل، يعبّر كثير من أبناء الثورة عن قناعة مريرة مفادها أنهم “لن يخسروا أكثر مما خسروا”، وأنهم لن يقبلوا العيش في بلد يُكرَّم فيه القتلة فوق أشلاء ضحاياهم.


سادسًا: مسؤولية العقلاء والحكومة
من هنا، تقع المسؤولية التاريخية على عاتق العقلاء من أبناء الساحل قبل غيرهم: أن ينفضوا أيديهم من القتلة والطامعين، وأن يدركوا أن حماية أرواحهم وأموالهم ومستقبل أبنائهم لا تكون بالتحريض ولا بالرهان على الفوضى، بل بالانخراط الصريح في مشروع عدالة حقيقية.

كما تقع المسؤولية الكبرى على الحكومة الجديدة، التي أثبتت براعة وبراغماتية في إدارة السياسة الخارجية، أن تلتفت بجدية إلى الداخل. عليها أن تنقّي مؤسساتها من الحمقى والمغفلين، وأن تضع حدًا لأمراء الحرب، وأن تؤسس لمسار عدالة انتقالية منصف، لا انتقامي ولا شكلي، يُنصف الضحايا ويُعيد الثقة بالدولة.


خاتمة
إن الجمر المتّقد تحت الرماد لا يمكن إخماده بتغطيته بأكوام القش، بل يشتعل أكثر. والعدالة المؤجّلة بلا أفق ليست سلامًا، بل قنبلة موقوتة. وحدها العدالة العاقلة، التي توازن بين القصاص والاستقرار، قادرة على إنقاذ الساحل السوري – وسوريا كلها – من تكرار المأساة، وفتح باب حقيقي لمستقبل لا تحكمه الطائفة ولا الغلبة، بل القانون والإنصاف.


بقلم : عبدالناصر عليوي العبيدي


شارك عبر

0 0 0 +1
Elshamy
أعمل فى مجال سوفت وير المحمول ومقدم شروحات أعشق التقنية واساعد فى اثراء المحتوى العربى
ذات صلة بالموضوع
Older Post Home

اتصل بنا

Name

Email *

Message *

رياضة

تصنيفات

شركاؤنا

فني تكييف بالكويت تصليح ثلاجات الكويت تصليح غسالات الكويت